الأربعاء، 24 سبتمبر 2014

بحر الرمل محمد كباشي


بحر الرمل
الرّمل من أكثر البحور الشعريّة غنائيّةً بسبب تفعيلته ( فاعلاتن ) التي تضفي على القصيدة موسيقى جميلة تجعلها أغنيةً سهلة اللّحن و الأداء ، و هو ما اكتشفه الشاعر القديم عند ما نظم الموشّحات على هذا البحر ، و ها هو ابن سهل يقول في موشّحه الجميل :
هلْ درَى ظبْيُ الحِمَى أنْ قدْ حمى ** قلبَ صبٍّ حلّهُ عنْ مكنسِ ؟
فَهْوَ في حرٍّ و خفْقٍ مثلمـــــــــــــا ** لعبَتْ ريحُ الصَّبا بالقبـــس ...
للتّعرّف على هذا البحر ننطلق من بيت تامّ للشاعر الكبير بشارة الخوري ( الأخطل الصغير ) :
سائلِ العَلْيَاءَ عنّا و الزّمـــــانا ** هلْ خفرْنا ذِمّةً مُـــذْ عَرَفَــانا ؟
نقرأ البيت و نتغنّى به لنكتشف سحر الرّمل ، ثمّ نكتبه كتابة عروضيّة صحيحةً :
سَاْئِلِـــلْعَلْيَــاْءَ عَنْنَـاْ وَ زْزَمَـاْنَاْ ** هَلْ خَفَــرْنَاْ ذِمْــمَتَنْ مُذْ عَرَفَاْنَاْ
بعد التأكد من صحّة الكتابة العروضيّة نضع ما يناسبها من رموز عروضية :
/0//0/0 /0//0/0 /0//0/0 ** /0//0/0 /0//0/0 ///0/0
نستنتج ممّا سبق أنّ هذا البحر ينشأ من تكرار ( فاعلاتن = /0//0/0 ) ستّ مرّات في البيت التّام ، كما نكتشف تغيّرا طرأ عليها إذ جاءت في هذه الصورة ( فعِلاتنْ = ///0/0 ) ، و هو تغيّرٌ يطرأ كثيرا على تفعيلة الرّمل .
كما نظم الأقدمون في هذا البحر فقد نال استحسان المعاصرين و أبدعوا فيه قصائد حرّةً ساحرةً .
ها هو عبد الوهّاب البيّاتي يطلق صرخته كاشفا تردّي الأحوال و فساد الأوضاع الاجتماعيّة :
المَلايِينُ التي تكْدَحُ لا تَحْلُمُ في موْتِ فراشهْ
يُكتب بيت البيّاتي عروضيّا بهذه الصّورة :
أَلْـمَلَاْيِـيْنُــلْلَتِيْ تَكْدَحُ لَاْ تَحْلُمُ فِيْ مَوْتِ فَرَاْشَهْ
و إليك رموزه العروضيّة :
/0//0/0/0//0/0///0/0///0/0///0/0
و تناسبها هذه السلسلة من التفعيلات :
فاعلاتن فاعلاتن فعِلاتن فعِلاتنْ فعِلاتنْ
و لاكتشاف تغيّرات أخرى نتأمّل سطر سميح القاسم :
وَ عَلَـى الأُفْــقِ شِـرَاعْ
وَعَــلَلْــأُفْقِ شِـرَاْعْ
///0/0///00
فعِلاتنْ فعِلاْتْ
و بالبحث في مختلف الأشعار ستكتشفون مزيدا من الجوازات الشعرية في الرمل .
و الخلاصة : الرّمل بحر صافٍ شائعٌ في الشعر الحرّ ، تفعيلته هي ( فاعلاتن = /0//0/0 ) ، و قد تحدث فيها جملة من التغيرات نوجزها على النحو التالي :
( فعِلاتنْ = ///0/0 ، فاعلاتْ = /0//00 ، فعِلاتْ = ///00 ، فاعلنْ = /0//0 ، فعِلنْ = ///0 ) .
و سأختم هذا المنشور بأسطر جميلة من بحر الرمل من قصيدة معروفة لصلاح عبد الصبور ( شنقُ زهران ) :
شبّ زهْرانُ قويًّا
و نقيَّا
يطأُ الأرْضَ خفيفًا
و أليفَا
كان ضحّاكًا وَلُوعًا بالغناءْ
و سَماعِ الشّعر في ليْل الشتاءْ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

music