السبت، 1 أغسطس 2015

قراءة في قصيدة ( شهيدة الشرف ) للشاعر عليّ مبروك // نقد الأديب محمد كباشي

قراءة في قصيدة ( شهيدة الشرف ) للشاعر عليّ مبروك
مصلوبا خلف ذراعيها
يتمخّض يعصر كفّيها
ريحانةُ شجّت ساقيها...

والخائن يحرق ضيعتها
ويكبّل ساحة صيحتها
ريحانة شعري أسْطُرُها
بحرائر ورْقٍ أُمطرها
و لفافةِ سحرٍ ثورتها
والقلْم يبارك ساحتها
ريحانةُ شعري امرأة
لو فاحت باحت بيعتها
لامتلأ العالم أزهارا
و طهارة بيدٍ
تغمرها
امرأة شجّت أوراقي
فذرفتُ الحرفَ بأعينها
استوقفتني هذه القصيدة لأنّها تصوّر حدث الساعة ، فهي تتكلّم عن قضيّة امتزج فيها السياسي و الديني و الاجتماعي ، قضيّة ( ريحانة ) التي دافعت عن شرفها و رفضت أن تكون سلعة معروضة في دكاكين النخاسة ، ( ريحانة ) التي ذُبحت مرّتين ، ذبحها في المرّة الأولى وحش عندما دنّس شرفها ، و أجهز عليها في المرّة الثانية قاض يُفترض فيه العدل لمّا أصدر حكمه بإعدام الضحيّة .
و لئنْ ذبحها هذا الوحش و أدانها هذا القاضي ، فإنّ صرخة الشاعر عليّ مبروك قد أنصفتها و جعلتها قدّيسة قُدّمت قربانا أمام معبد الشرف ، و جعلها طاهرة تفوح براءة ، فاقتبس من اسمها ( ريحانة ) الزهرةََ للدلالة على النقاء و الصفاء و العفّة ، و بقدر براءة ريحانة و طهارتها فإنّ الشاعر عليّ مبروك قدّم الجاني في صورة كلُّها بشاعةٌ و دناءة عندما سمّاه الخائن ، و أمام هول الجريمة و فظاعتها لا يملك الشاعر إلّا قلمه الذي ملأ الورقة بكاء و دموعا .
للشاعر عليّ مبروك جرأة في استخدام اللغة و توظيف ألفاظها و الخروج بها عن سياقاتها المألوفة كما يفعل سائر المعاصرين ، فهو عندما يتكلّم عن شرف ريحانة يستخدم لفظة ( ضيعتها ) للدلالة على قيمته الكبيرة ، فكم من أرواح أُزهقت و دماء أُريقت للدفاع عن حمى الأرض و الذود عن حياضها ، و لا يخفى على أحد ارتباط الإنسان بأرضه و تعلّقه بها لذلك لا نستغرب عندما جعل الشرف أرضا تستحقّ التضحيّة و الشهادة
. و يظهر حسن تصرّف الشاعر في اللّغة عندما وظّف الفعل ( شجّت ) في سياقين مختلفين ، فمرّة جاء في مدلوله الأصلي ، و في آخر القصيدة جعله دالّا على كلمات قصيدته الحزينة . و لا تخلو القصيدة من قاموس ذي إيحاءات طبيعية ( ضيعتها ، أزهارا ، بيد ) و هو أمر شائع عند جماعة الرومانسيين و من جرى على خطاهم من المهجريين الذين سلبت الطبيعة ألبابهم فجاءت جزءًا من أشعارهم و جاءت عناصرها تفيض حياة و حركة .
و كعادة الرومانسيين جاءت القصيدة حافلة بالانفعالات ، فالمجرم الخائن شخص وضيع يزدريه الشاعر و يحتقره ، أمّا ريحانة الضحيّة فعلى النقيض من ذلك ، فالشاعر يحزن لمصابها و يُظهر إعجابه بها و إجلاله لتضحيتها .
موسيقى القصيدة صنعها المتدارك ، و هو أحد البحور الغنائيّة الوجدانيّة ، و لئن ارتبط عند الأقدمين بالغزل و تصوير مجالس الأنس و اللهو و الطرب إلّا أنّ الشاعر عليّ مبروك طوّعه لمقام الحزن ، فإذا به يأتي متناغما مع الكآبة مسايرا للفجيعة و الحزن .
الحزن يخيّم على القصيدة ، و هذا جليٌّ في خاتمة الأسطر الشعريّة عندما جعل الشاعر ( الهاء ) رويّا ، فكان كلّ سطر تأوّها و زفرة حزن .
و خلاصة القول ، نحن أمام قصيدة اجتمعت فيها عناصر الشعر من معنى جليل ، و لغة جميلة موحيّة ، و انفعالات صادقة ، و موسيقى سلسة عذبة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

music