قصة قصيرة
بعنوان (الإنتظار الأخير) .
بقلم /الكاتبة نهلة أحمد(شموخ الورد)
●●●●●●●●◇◇●●●●●●●●
بوهنٍ ووجوم..
ونفاذ صبر مع قلّة حيلة ، جلست (سعاد) على أريكتها وعيناها تجودان بدموعٍ تدفقُ كنبعٍ وتنهمر كصبٍ من مقلتين أنهكما طول الإنتظار فبدتا غائرتين يحفهما سوادٌ مع زرقة بفعل الأرق والتعب وقلّة النوم ،كانت الدموع تنساب على خديها وتنحدر الى أن تقع فوق دفتر مذكراتها محتضنة تلك الكلمات القليلة التي كتبها ( رياض) منذ ما يربو عن سنة قبل أن يوقف من طرف كلاب البوليس.
ما كانت تدري ما كتب ولا متى كتب ولا حتى أنّه كتب ..تلك العبارة الت سطرها في ذكرى ميلادها حينما أحسّ بأنّ عيون المخبريين تتبع خطواته وتعدّ أنفاسه لم يكن يريد إقلاق راحتها كان يعلم في قرارة أنّه سيعتقل لأن رجال البوليس ما تتبعوا شخصا وأرسلوا خلفه العيون إلا وأختفى دونما خبر
كان يحاول التودد إليها دونما سبب لعلّه كان يدري أنّ لحظة الفراق قد قربت ويريد أن يخفّف عنها بذلك التودّد
أو ربّما كان يفعل ذلك مداراة لذلك الخوف الذي تملّكه مذ أيقن أنّه معتقلٌ لا محالة
كان يعي جيّدا خشونة وغطرسة رجال البوليس بل كان مدركا تمام الإدراك لم ينتظره من تعذيب جسدي وإرهابٍ نفسي حينما وجد دفتر مذكرات حبيبته موضوعا فوق الطاولة في حين كانت سعاد في المطبخ إستجمع قواه وحمل قلمًا وبيدان ترتجفان كتب هذه العبارة {لو فقدتيني في ميلادك الثاني ولن تريني بعدها فتذكري حبيبك بسورة الحمد أو دعاء بالمغفرة وسامحيني ...(حبيبك) }.
لقد وصل المغزى متأخرا بعدما أسدل الستار على أخباره واستبدّ بها الشوق لمعرفة تفاصيل وملابسات قضيته
كان أثر ترك العبارة عليها كمنّ صعقه تيار أحسّت بدوار لم تفق بعده إلا على صوت طبيبها وهو يناديها باسمها وأفراد عائلتها يترقبون إفاقتها بعيون شاخصة كانت ترى الشفقة في عيونهم أحسّت في تلك اللحظة أنّ الكلّ كان يعلم بحقيقة ما جرى لرياض إلا هي
كم كانت غبية حينما لم تقرأ ذلك في وجوههم أو في تصرفاتهم لكنّ بصيصا من الأمل كان يلوح لها في الأفق
.ووسط هذا الذهول وخيط من الأمل الدّقيق الذي كاد أن ينقطع وبقايا حشرجة في صوتها ..وصخرة همٍ جاثمة على صدرها ، إستجمعت شيئا من قواها الخائرة حاولت النهوض جاهدة ووقف الجميع محاولين ثنيها عمّا تريد أن تفعله لكنّ بريقا لاح في عينيها وقوّة خفية تملّكتها خاطبتهم قائلة بعد أن تناولت عبائتها: أنا بخير فلا تقلقوا ثم خرجت من البيت تجرّ خطاها المتثاقلة وفي وسط حديقة منزلها رفعت رأسها في شموخ استنشقت بعض الهواء وبقيت واقفة تتأمل لا تلوي على شيء ، خطرت لها فكرة ..!!!! آه سأذهب إلى عمي (محمد علي) عله يرشدني فهو أقرب الى نفسي وتفكيري وأعرف مني برياض فهو صديقه المفضل وصندوق سره ولا أظنه يرفض لي طلبا كهذا وعلى حين غرة مثل أمامها صدفة وكأنه شعر بحاجتها فأرشده الله للمجيء والسؤال عنها.
رحبت به بوحه مبتسم وشفتان تخفيان حزنا تفضحانه دموع تكفكفها بمنديلها .
قالت بلهفة الفاقد : هل يمكنتي أن أرى رياض ؟ فرد متعجبا : وكيف تري ما أخفي في زنزانة مغلقة وحكم عليه بحكم مؤبد ؟؟؟ أراد بذلك التورية ..!! ولم تدر ماأخفَ لها الزمن !! وما إن أعلن حكم التأبيد على مسامعها ضمها العم بحنو الأب وقال إتركي الأمر لعمك ونامي بسلام بعض ساعات كي ترتاحي.. سيكون كل شيء على مايرام يريد بذلك أن تستلم الخبر بأعصاب هادئة مسترخية لعلمه بحبها له وولعها به فقد كان زوجا مثاليا لزوجة مثالية.
أي شيء أخفيت لها أيها القدر!!!
وبعقل راجح وهدوء وروية وحضور قلبي وعقلي قال العم : صحتك ياإبنتي فوق كل شيء ومهما يحصل للمرء عليه أن يحتفظ بتوازنه وهدوءه ويسيطر على أعصابه ويقتنع بقضاء الله وقدره ، ويقول الحمد لله على كل حال فما جاء فهو من الله وأمانته وقد ردت إليه ، وأردف قائلا :رحمك يارياض لقد كنت قدوتنا بكل شيء ..أصابها الذهول فتحت عيناها متعجبة وفغرت فيها مستغربة.. إنفجرت.. أنهار الدمع وأجهشت بالبكاء تندب حظها العاثر الذي لم يجعلها تحتوى حتى زوجا عقيما ..لطمت خدها ..خارت قواها ..غيرت مكان جلوسها فطاقتها انتهت مجرد سماع انتهاء حياة زوجها وكانت قد بدأت بوجوده .. رجعت وهي تجر أذيال الخيبة والخسران يملأ رئتيها آهات الحزن حيث بدأت بالحداد والإلتزام بالعدة على المرحوم بنفس كسيرة بعد أن عرفت كل ما أخفوا عليها من نبأ وفاته وملابساتها .
قصة قصيرة /الإنتظار الأخير /نهلة أحمد /العراق/بتاريخ 13/12/2014
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق